في هذا المقال، لفينفريد فيك وستيفن هوفنر ترصد مؤسسة كونراد أديناور الألمانية المواقف الرسمية والشعبية في دول المغرب العربي تجاه التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، بما في ذلك الردود على الضربات الإسرائيلية، والتدخل الأمريكي، وتفاعلات الرأي العام. ويسلّط التقرير الضوء على تباين مواقف الحكومات بين الحذر الدبلوماسي والدعم الصريح، مقابل مزاج شعبي يميل بوضوح إلى التعاطف مع إيران، خصوصًا في سياق دعم القضية الفلسطينية.
تونس: خطاب رسمي حاد وتعاطف شعبي واضح مع طهران
عقب الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، نشرت وزارة الخارجية التونسية مساء 13 يونيو بيانًا عبر منصاتها الرقمية، عبّرت فيه عن إدانة شديدة لما وصفته بـ”العدوان الصهيوني الغادر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وأكدت تضامنها مع الشعب الإيراني.
ورغم هذا الموقف الواضح، امتنعت تونس عن التوقيع على البيان المشترك الذي صدر في 16 يونيو بمبادرة مصرية، وشاركت فيه 21 دولة عربية وإسلامية، حيث دان الهجوم الإسرائيلي وطالب بوقف عاجل لإطلاق النار. وسائل الإعلام التونسية تابعت مجريات التصعيد، لكن اهتمام الجمهور انصب بداية على مصير قافلة مساعدات إنسانية متوجهة إلى غزة، والتي تم توقيفها شرق ليبيا وكانت مبادرة من جهات مدنية. أما في الفضاء الرقمي، فيستمر الجدل حول الصراع الإيراني-الإسرائيلي بوتيرة عالية، وتظهر مؤشرات واضحة على انحياز الرأي العام التونسي إلى جانب إيران.
كما أدانت تونس بشدة الضربات الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية بتاريخ 22 يونيو، مطالبة بـ”الوقف الفوري لهذا الاعتداء”، وداعية إلى إعادة النظر في النظام العالمي الذي لا يزال يعكس توازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتُصوَّر إيران، في المخيال الشعبي، على أنها طرف مقاوم في مواجهة الهيمنة الأمريكية والنفوذ الإسرائيلي، وهو ما يفسر تعاطف غالبية التونسيين مع الموقف الإيراني ورفضهم التام للتدخل الأمريكي.
المغرب: توازن دبلوماسي بين الاعتبارات الرسمية والمزاج الشعبي
تجنبت السلطات المغربية حتى الآن الإدلاء بتصريحات مباشرة بخصوص النزاع المتصاعد بين إيران وإسرائيل، كما لم تُعلّق رسميًا على العمليات العسكرية الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية. واكتفت الرباط بتوجيه نداءات إلى التهدئة وضبط النفس، دون إعلان تأييد لطرف على حساب آخر.
تنظر الدولة المغربية إلى إيران كخصم إقليمي، خصوصًا في ضوء دعم طهران لجبهة البوليساريو في نزاع الصحراء الغربية، مما يدفع الرباط إلى السعي لاحتواء النفوذ الإيراني، مع ضرورة مراعاة الرأي العام المحلي، الذي يتميّز بتأييده التقليدي للقضية الفلسطينية ومعارضته الواسعة للسياسات الإسرائيلية.
المواقف المنتقدة لإسرائيل تصدر أساسًا من حزب العدالة والتنمية، الذي يُعدّ تيارًا محافظًا ذا مرجعية إسلامية، وقد عبّر عن تضامنه مع إيران. غير أن التفاعلات الشعبية على منصات التواصل تُظهر أن الدعم يتركّز أساسًا على الفلسطينيين، بينما تبقى التأييدات الصريحة لإيران نادرة.
المشهد الإعلامي المغربي يركّز على الأبعاد الإنسانية للصراع، محذرًا من تبعات تصعيد محتمل في المنطقة. وتناولت وسائل الإعلام التدخل الأمريكي بلغة تحليلية دون اتخاذ موقف واضح، مع التركيز على مخاوف من اتساع رقعة العنف. أما ألمانيا، فيُنظر إليها كجزء من الاتحاد الأوروبي الذي يلتزم بمسافة من التصعيد، دون أن يضطلع بدور قيادي في حل النزاع.
موريتانيا: مواقف واضحة واحتجاجات داعمة لإيران وغزة
كانت الحكومة الموريتانية من أوائل الأطراف التي تفاعلت مع اندلاع المواجهات بين إيران وإسرائيل، حيث نددت بالغارات الإسرائيلية، واعتبرتها انتهاكًا لسيادة إيران وخرقًا لميثاق الأمم المتحدة. كما انضمت إلى البيان الإسلامي الجماعي الذي طالب بوقف العمليات العسكرية على الفور. وجددت نواكشوط هذا الموقف بعد الضربات الأمريكية، مؤكدّة على احترام القانون الدولي.
في الشارع الموريتاني، تُسجَّل مستويات عالية من التضامن مع إيران، غالبًا في سياق مناصرة القضية الفلسطينية. وخرجت مظاهرات أمام السفارة الأمريكية في نواكشوط، شارك فيها مئات المتظاهرين تعبيرًا عن دعمهم لطهران وغزة. واستمرّت التحركات الشعبية بشكل متقطع بعد التدخل الأمريكي. الصحافة الموريتانية تبنّت خطابًا داعمًا لإيران وغزة، وظهرت عناوين مثل “نقف مع إيران وفلسطين” و”رفض العدوان الإسرائيلي”، في حين غزت هاشتاغات مثل “#FreePalestine” و”#SolidarityIran” شبكات التواصل، وغالبًا ما دُعمت بمداخلات من رجال دين وناشطين مجتمعيين.
وأكد العديد من هؤلاء، سواء عبر الإذاعات المحلية أو الخطب الدينية، أن التضامن الموريتاني يتجاوز الرمزية إلى العمل، من خلال تنظيم حملات تبرع ونشاطات توعوية وإعلامية. وتُظهر هذه التعبيرات الشعبية رفضًا واضحًا للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، وتُعزّز من صورة إيران كقوة مقاومة.
أما الدول الأوروبية، بما فيها ألمانيا، فتُدرج في النقاشات المحلية ضمن الفضاء الغربي المتهم بدعم غير مشروط لإسرائيل، ما يعمّق التوجه الانتقادي الموريتاني إزاء السياسات الغربية في المنطقة.
رابط المقال الأصلي: