يستند هذا المقال إلى تحليل الخبير في الشؤون الليبية ميركو كايلبرث، ونُشر على موقع ND-aktuell الإخباري الألماني بتاريخ 18 مايو 2025
في أول خطاب له عقب انتهاء المعارك الدامية في شوارع طرابلس، عبّر رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة عن استيائه الشديد، مواكبًا غضب آلاف المتظاهرين في ميدان الشهداء بوسط العاصمة الليبية. دبيبة، رجل الأعمال الملياردير، أكد رغبته في بناء دولة خالية من الميليشيات والفساد، مؤكدًا أن حكومته تسير على طريق إنهاء نفوذ قادة الميليشيات الذين لطالما شكلوا تهديدًا للاستقرار.
مقتل قائد أقوى الميليشيات وتفاقم الأزمة السياسية
في خطوة لافتة، أشار دبيبة إلى اغتيال قائد «جهاز التثبيت والدعم» يوم الاثنين الماضي، الذي كان يقود أقوى مجموعة مسلحة في طرابلس، والتي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة. هذا الاغتيال والضربة التي تلته على ثاني أكبر ميليشيا أشعلتا أسوأ أزمة سياسية في ليبيا منذ حرب 2019.
رغم أن دبيبة كان يتوقع دعم الشعب له في مواجهة الميليشيات، إلا أن الاحتجاجات، التي تحولت إلى مخيم كبير في ميدان الشهداء، تتطلب الآن ليس فقط استعادة النظام والقانون، بل ومطالبة صريحة باستقالة الحكومة والبرلمان المنعقد في شرق ليبيا والمجلس الرئاسي.
تحالف غير مقدس مع الميليشيات المسلحة
البرلمان الليبي، الذي انتُخب عام 2014 لفترة أربع سنوات، لم يشهد انتخابات جديدة بسبب تجدد العنف. غياب الجيش الرسمي، دفع الحكومة والبرلمان إلى تحالف مع الميليشيات المسلحة، التي يتقاضى أفرادها رواتب من الدولة نفسها، ما يعكس واقعًا معقدًا وصعبًا على مستوى الدولة.
الديمقراطية بين أمل وشك
على الرغم من محاولات التحالف الغربي لدعم بناء الديمقراطية عقب سقوط نظام القذافي عام 2011، إلا أن ضعف الالتزام الدولي أتاح فرصًا للجماعات المسلحة للتمدد والهيمنة على المشهد السياسي والاقتصادي.
لا يمكن التكهن حاليًا بنتيجة الصراع على السلطة بين دبيبة والميليشيات، ولا يتوقع أن يحظى بدعم قوي من الدول الغربية، رغم خطوة حكومته المفاجئة بالاعتراف بولاية المحكمة الجنائية الدولية للفترة من 2011 حتى 2027، والتي تهدد قادة ميليشيات بالسجن في لاهاي، مثل أسامة النجيم المعروف بـ«المصري».
أوروبا وتراجع الاهتمام بالملف الليبي
في الوقت الذي تعاني فيه ليبيا من هذا الصراع، تبدو أوروبا منخرطة فقط في محاولة وقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط، متجاهلة المطالب الحقيقية للشعب الليبي والمجتمع المدني الذي طالما دعمته. وتبين الأحداث أن الاتفاقات التي تستهدف ضبط الهجرة تأتي على حساب مستقبل ليبيا السياسي والاجتماعي. ومع إلغاء الانتخابات البرلمانية المفاجئ في 2021، يظل الليبيون، بمن فيهم آلاف المرشحين، مجرد متفرجين على تقسيم السلطة بين الميليشيات المسلحة. يبقى السؤال: هل سينجح رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة في استعادة الدولة من قبضة الميليشيات، أم ستبقى ليبيا أسيرة الانقسامات؟