في خضمّ التوترات المتصاعدة بين الجزائر والمغرب، وصعود خطاب تقرير المصير من جديد في شمال إفريقيا، يواصل زعيم حركة “الماك” فرحات مهني إثارة الجدل بمواقفه الصريحة والداعية إلى استقلال منطقة القبائل. في هذا الحوار الحصري، يردّ مهني على اتهامات “الإرهاب” الصادرة بحقه، ويتحدث عن احتمال إعلان الاستقلال من طرف واحد، عن الدعم المغربي لقضيته، وعن أسباب تأييده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. كما يكشف موقفه من “المؤامرات” الجزائرية المزعومة ضد فرنسا، ويؤكد أن “القبائل لن تكون عامل زعزعة بل رافعة للسلام في المتوسط”.
السيد فرحات مهني، محكمة جزائرية حكمت عليكم مؤخرًا غيابيًا بالسجن لمدة 20 سنة. ما هو ردكم على هذا الحكم؟
عدد الأحكام الصادرة بحقي، سواء بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لعشرين عامًا، كثير جدًا منذ أكتوبر 2021. إذا جمعناها، فهي تساوي عدد محاكمات السحر السياسي التي يتعرض لها نشطاء منطقة القبائل، بمختلف توجهاتهم والذين يُعتبرون جميعًا منتمين إلى حركة الماك (MAK).
أتحدى السلطة الجزائرية أن تقدم أي دليل يثبت تورطي المباشر أو غير المباشر في أي عمل إرهابي عنيف في أي مكان.
نحن حركة تحرير وطنية سلمية، وهذه سابقة على مستوى العالم. نحن كشعب قبائلي نطالب فقط بممارسة حقنا المشروع في تقرير مصيرنا. الديكتاتورية العسكرية الجزائرية التي تستخدم خطاب تقرير المصير لزعزعة استقرار المغرب والشرق الأوسط، تقمع هذا الحق نفسه عندما يتعلق الأمر بالقبائل، تحت ذريعة “الوحدة الوطنية” الزائفة.
في الحقيقة، الأحكام الصادرة ضدي وضد رفاقي هي أحكام سياسية بحتة، وليست جنائية. وسوف تُلغى بنفس السرعة والسهولة التي صدرت بها، بمجرد زوال الظروف التي أدت إلى إصدارها. والدليل أن بعض النشطاء الذين وافقوا على التخلي عن انتمائهم لحركة الماك لحماية ممتلكاتهم من المصادرة، أُلغي حكمهم فور توقيعهم على وثيقة تعاون مع أجهزة الأمن الجزائرية.
ماهي حججكم في المطالبة باستقلال منطقة القبائل؟
لقد عرضنا في عام 2017، ضمن مذكرة من أجل حق تقرير المصير للشعب القبائلي الموجهة إلى الأمم المتحدة، الأسس التي تُبرر شرعية هذا المطلب. وقد ورد فيها على وجه الخصوص أن “رغبة القبائل في الاستقلال ليست نتيجة يقظة عرضية أو عابرة لشعب يحلم بالحرية، بل إنها تمثل عنصراً دائماً وجوهرياً من شخصيته وثقافته منذ فجر التاريخ”.
بالإضافة إلى الأسباب التاريخية، وخاصة استمرار الشخصية السياسية لمنطقة القبائل عبر العصور، وتأسيس الجزائر في عام 1839 من قبل الاستعمار الفرنسي الذي لم تُضم إليه منطقة القبائل إلا بعد 32 سنة بالقوة، هناك معطيات قانونية وسياسية تجعل من غير الممكن، إلا من خلال القمع، الإبقاء على منطقة القبائل ضمن الكيان الجزائري. إن إنكار وجودها ومصادرة حقوقها الطبيعية جعل القبائل لا تشعر يوماً بأنها جزء من الجزائر، لا في عهد فرنسا ولا منذ سنة 1962. وقد فشلت جميع السياسات المتبعة منذ عام 1963 لطمس هويتها.
الانتفاضات المتكررة التي ميزت تاريخها ضد الجزائر ما بعد الاستعمار تشهد على رغبتها الدائمة في الاستقلال. فبين عامي 1963 و1965، حملت القبائل السلاح ضد الجزائر بقيادة حسين آيت أحمد (جبهة القوى الاشتراكية). ومن 1980 إلى 1985، تم إرسال قوات من العاصمة إلى القبائل في 36 مناسبة لقمع مظاهرات سياسية. في عام 1993، نظّمت القبائل نفسها ضد الجماعات الإرهابية المنبثقة عن التيار الإسلامي. كما قاطعت السنة الدراسية 1994-1995 بالكامل مطالبة بالاعتراف بحقوقها الثقافية والسياسية. وفي عام 1998، خرجت مظاهرات ضخمة تنديداً باغتيال المغني القبائلي معطوب الوناس، وهو اغتيال نسبه الشارع بحق إلى الأجهزة الأمنية الجزائرية. أما في عام 2001، فقد اندلعت انتفاضة سلمية قبائلية قُتل خلالها أكثر من 150 متظاهراً وجرح 6000 آخرون، منهم 1200 أُصيبوا بإعاقات دائمة على يد النظام.
وفي عام 2021، تم إحراق منطقة القبائل بالكامل من قبل الجيش الجزائري باستخدام القوات، والطائرات المسيّرة، والمروحيات؛ والنتيجة: أكثر من 500 قتيل ومئات المصابين بحروق خطيرة. ويجدر التذكير بأن الجزائر ترفض حتى الآن إنشاء كيانات إدارية-سياسية جهوية لكي لا تضطر إلى الاعتراف بمنطقة القبائل وتسميتها. ولا تزال اللغة القبائلية منكورة، ويُفرض على أطفالنا سياسة طمس للهوية، وهو ما يُعد مشروع إبادة ثقافية، وبالتالي جريمة ضد الإنسانية.
وأخيراً، فإن مئات المعتقلين السياسيين القبائليين اليوم هم دليل على إرادتنا الثابتة في الاستقلال، وهي إرادة لا يمكن لأي قمع أن يقضي عليها.
منطقة القبائل علمانية وديمقراطية، في حين أن الجزائر ديكتاتورية عسكرية إسلامية. أرجو أن تفهموا أن منطقة القبائل تمثل النقيض للجزائر، وأن ارتباطهما يعني صراعاً وجودياً. القبائل لا تطالب بموت الجزائر، بخلاف ما تفعله الجزائر تجاه القبائل، بل تطالب فقط بحقها في الوجود كجار مستقل، لا كمستعمرة تابعة لها. ترون إذًا إلى أي مدى القبائل لا علاقة لها بالجزائر، خصوصاً منذ أن بدأت في مقاطعة جميع الانتخابات الجزائرية الكبرى، وخاصة منذ عام 2001. فلم تعد ترى نفسها معنية بها.
وجهتم رسالة إلى سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة تطلبون فيها تنظيم نقاش في مجلس الأمن حول حق تقرير المصير للشعب القبائلي. ما الهدف من هذه الرسالة؟
كان ممثل الجزائر في الأمم المتحدة يرأس مجلس الأمن في يناير الماضي، وأعلن أن رئاسته ستُخصص من بين أمور أخرى لمناقشة حق تقرير المصير للفلسطينيين والصحراويين. وكما يقول المثل: الجمل لا يرى سنامه بل يرى سنام غيره. لذلك ذكّرته بسنامه.
لم أكن أتوهم أن طلبي سيُقبل، ولكن كان من الضروري من الناحية التاريخية أن يُسجل هذا الموقف في ذاكرة شعبي إلى الأبد.
قرار لمحكمة بريطانية اعترف بالشعب القبائلي كشعب بالمعنى القانوني الدولي، وبالتالي يحق له تقرير مصيره. ما أهمية هذا الاعتراف بالنسبة لقضيتكم؟
لسنا أول شعب يتوجه إلى القضاء البريطاني المعروف بجديته ومصداقيته، لطلب رأي يعزز شرعية مطلبه في تقرير المصير. بسبب إنكار السلطة الجزائرية لوجود الشعب القبائلي، توجهنا إلى محكمة محايدة ونزيهة للفصل في النزاع. وزن هذا الاعتراف كبير جدًا، فهو يحررنا من تهمة الانفصالية التي توجهها لنا السلطات الجزائرية. مع أن هذه التهمة لا تهمنا أصلًا، فإن هذا القرار يمنحنا، في ظل شروط معينة، الحق في إعلان استقلال منطقة القبائل من طرف واحد. وقد يحدث ذلك في الأشهر المقبلة، خلال عام 2025.
الجزائر تتهمكم دائمًا بتلقي دعم من المغرب. ما ردكم؟
كشعب يعشق الحرية، نحن بحاجة إلى دعم جميع دول العالم. المغرب، منذ عام 2013، يعترف في المحافل الدولية بحق الشعب القبائلي في تقرير مصيره، ونحن نُقدّر له هذا الموقف. لكن دعمه سياسي فقط، ولا يُقارن بالدعم المالي والعسكري الذي تقدمه الجزائر لجبهة البوليساريو أو لحماس وحزب الله. كنا نتمنى الحصول على دعم مالي من دول تتقاطع مصالحها مع قيام دولة قبائلية مستقلة. لم يتحقق ذلك بعد، لكننا لا نفقد الأمل.
أعلنتم مرارًا دعمكم لتطبيع العلاقات بين الدول الإسلامية وإسرائيل. لماذا؟
لو كانت القبائل مستقلة، لكانت أول دولة تعترف بحق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها ضد أولئك الذين، بدافع عنصري، يحاولون تفكيكها منذ أكثر من 75 عامًا. تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو فعل عقلاني وإنساني وحضاري. يجب أن نتجاوز مشاعر الكراهية والعنف لبناء علاقات حسن جوار.
القبائل تحترم جميع المعتقدات وجميع الشعوب وحقها في تأمين نفسها. خروج الدول العربية والإسلامية من حالة الحرب مع إسرائيل هو تصرف مسؤول ومبارك. الخلافات تُحل دبلوماسيًا. الحرب لا تُبرر إلا في الحالات القصوى، لكن في حالة إسرائيل، بدأوا بالحرب قبل أي حوار. أرجو أن يفهم الجميع من هذا الموقف أن قيام دولة قبائلية على ضفاف المتوسط وفي شمال إفريقيا سيكون عامل سلام واستقرار وتعاون، وليس عامل زعزعة كما تفعل الجزائر منذ عقود.
تتهم أجهزة الأمن الجزائرية بمحاولة زعزعة استقرار فرنسا. على ماذا تستند في هذا الاتهام؟
أنا لا أتهم، بل أنقل ما قاله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بنفسه، حين هدد فرنسا باستخدام جاليته الكبيرة ضدها. بل وصرّح مؤخرًا بدعمه للشباب في اتخاذ إجراءات ضد فرنسا، مع ضمان الحماية والإفلات من العقاب. ظهور موجة من “المؤثرين” الجزائريين على وسائل التواصل الاجتماعي هو تنفيذ فعلي لهذه التهديدات. ما لا يعرفه تبون هو أن معظم هذه الجالية الجزائرية المزعومة في فرنسا، التي تفوق المليونين، هي من أصول قبائلية ولا تستجيب لنداءاته، بل تسعى فقط لاسترجاع سيادة وطنها الحقيقي، القبائل، وليس للانتقام من فرنسا التي لم تعد استعمارية منذ أكثر من نصف قرن.
في ظل هذا السياق الإقليمي المعقد، كيف ترون مستقبل القبائل؟ وما هي الاستراتيجية التي تفضلونها: التفاوض، الضغوط الدولية، أم الاستقلال من طرف واحد؟
لا نرى مستقبلًا لمنطقة القبائل إلا في استقلالها. لكن السؤال هو: بأي وسيلة؟ بالنسبة لنا في حركة الماك (MAK) وحكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنفاد)، فإن خيار العنف المسلح مستبعد تمامًا. نفضل طريق التفاوض. أما الضغوط الدولية، فهي وسيلة داعمة لمسارنا السلمي. في عالم مثالي، كان ينبغي أن تجمعنا مائدة الحوار منذ زمن، لوضع حد لحالة عدم الثقة المتزايدة. اليوم، أي تفاوض يحتاج إلى ضمانات دولية تضمن تنفيذ الاتفاقات. لكن إذا واصلت الجزائر رفضها القاطع لأي حل ديمقراطي وسلمي لمستقبل الشعب القبائلي، فسنتجه لا محالة نحو إعلان الاستقلال من طرف واحد، على غرار ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776 ضد التاج البريطاني. وأخيرًا، لا أحد خالد في هذا العالم، ومن المرجح — وأتمنى أن أكون مخطئًا — أن نكون نحن آخر حمائم السلام في القبائل.
حاوره عبد الرحمان عمار