بعد عقود من المنفى في بريطانيا، يروي رفائيل لوزون رئيس اتحاد يهود ليبيا حكايته: من طفولته في بنغازي، إلى لقاءاته السرية مع نظام القذافي، ثم اختطافه بعد الثورة. مقابلة تكشف عن ذاكرة حية، حنين لا ينطفئ، وسؤال مؤجل: هل يمكن لليهود أن يكون لهم مكان في ليبيا المستقبل؟
السيد رفائيل لوزون كيف تصف علاقتك بليبيا رغم سنوات الغياب والنزوح الطويلة؟
علاقتي بليبيا لا تزال جيدة، بل وممتازة مع بعض الشخصيات. صحيح أن هناك دائمًا “أبطال لوحة المفاتيح” الذين لا يترددون في الإهانة والتهديد، لكنني لا أعيرهم أي اهتمام.
ما هي أهم ذكرياتك من الطفولة في بنغازي؟
ذكرياتي مزدوجة الطابع: كنا نعيش في مجتمع متنوع وثرٍ عرقيًا وثقافيًا، يجمع بين العرب والإنجليز والمالطيين واليهود واليونانيين. كنا نتعامل كأسرة واحدة، وكانت العلاقات التجارية والاجتماعية متشابكة.
لكن في المقابل، كنا نُعامل كمواطنين من الدرجة الثانية. لم يكن لليهود الحق في تولّي مناصب عامة، ولا الانضمام إلى الجيش أو الشرطة، وحتى افتتاح مشروع تجاري كان يتطلب شريكًا عربيًا. في أوقات التوتر في الشرق الأوسط، كان طلاب الجامعات، خصوصًا من أنصار الناصرية، يخرجون في مظاهرات معادية لليهود.
كيف تم تنظيم أول لقاء لك مع القذافي؟ وماذا حدث خلاله؟
كتبت مقالًا تحدّثت فيه عن أمنيّة والدتي أن تعود إلى ليبيا قبل وفاتها. وصل هذا المقال إلى القذافي، فدعاني لزيارة ليبيا مع والدتي بعد 42 عامًا من التهجير. خلال الزيارة، التقيت بوزير الأمن الخارجي بوزيد دوردة، ووزير العلاقات مع المنظمات الدولية سليمان الشحومي، وتوصلنا إلى سلسلة من الاتفاقات بخصوص يهود ليبيا.
ما هي تفاصيل تلك الاتفاقات؟ وهل نُفِّذت؟
طالبت بوضع لوحة تذكارية في موقع المقابر اليهودية المدمّرة، ووافق. طلبت ترميم كنيس ليكون رمزًا للمصالحة، فوافق أيضًا. طالبت بالاعتراف بضحايا مذبحة عام 1967، فأبدى استعداده للنقاش. طالبت بالمساواة في الحقوق لليهود الليبيين، فقال لي: ناقشي الأمر مع المسؤولين. لكن كل شيء توقّف بعد اندلاع ثورة 17 فبراير. ومع ذلك، استمر تواصلي مع مسؤولين ليبيين بشكل غير علني. تمكّنت لاحقًا من دعوة وزير ليبي لمؤتمر في رودس بمناسبة الذكرى الخمسين لطرد اليهود، كما نظّمت لقاءات مع وزراء إسرائيليين من أصول ليبية.
هل شعرت أن النظام السابق كان جادًا في فتح صفحة جديدة؟
بصراحة، نعم. شعرت بإخلاص وحماسة لديهم. وعدوني بتجديد جواز سفري الليبي، والاعتراف بضحايا 1967.
كيف ردّ القذافي على مسألة طرد اليهود؟
قال إن الطرد حدث في عهد الملك إدريس، وليس في عهده. أجبته بأن ما فعله كان أخطر: دمّر المقابر والذاكرة التاريخية ليهود عاشوا في ليبيا منذ ألفي عام. بعد سقوطه، عدت إلى ليبيا، لكن ميليشيا إسلامية اختطفتني لثمانية أيام! وبعد التحقيقات أطلقوا سراحي قائلين: “أنت أبيض كالثلج.. ليبي ممتاز!”
الجيل الثاني والثالث من يهود ليبيا، يتوقون لزيارة وطن أجدادهم، كما يفعل يهود المغرب وتونس
كيف ترى الوضع الليبي الحالي؟
الوضع متناقض: سلطتان وحكومتان، ومدن منقسمة مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة. الخطر لا يزال قائمًا، والفساد مستشري. رغم جهود الأمم المتحدة والوسطاء الأميركيين، يتم تأجيل الانتخابات والتسويات باستمرار.
هل هناك أمل في عودة اليهود الليبيين؟
بعد 58 عامًا من الطرد، لا أحد يفكر في العودة للإقامة. لكن كثيرين، خصوصًا من الجيل الثاني والثالث، يتوقون لزيارة وطن أجدادهم، كما يفعل يهود المغرب وتونس. قد يعودون كزائرين أو مستثمرين، لا أكثر.
• كيف حافظت الجالية اليهودية الليبية على تراثها؟
ما زلنا نحافظ على تقاليدنا في الطعام، الزواج، الأغاني، واللغة. حتى طريقة التفكير الليبية ما زالت حيّة فينا.
هل ما زالت الموسيقى الليبية قريبة من قلبك؟
أحب دائمًا سماع “المرسكاوي” وأغاني علي شاعلية وفونجيا. كما أتابع بعض الفنانين الجدد.
ما رؤيتك للخروج من الأزمة الليبية؟
الحل لا يمكن أن يأتي من الخارج. نحتاج إلى شخص يفهم العقلية والثقافة واللغة الليبية. شخص لا ينتمي إلى الأحزاب ولا يملك أجندة سياسية. وهذا الشخص قد لا يكون إلا يهوديًا ليبيًا!
ما رسالتك لليبيين؟
افصلوا بين الدين والجنسية. لا تكرهوننا لأننا يهود. لم يحدث يومًا أن سبّب اليهود الليبيون ضررًا لليبيا. شاركنا في مقاومة الفاشية، وكان جدي من مصراتة يقاتل إلى جانب رمضان السويحلي. ثقوا بنا، وسنكون قوة إيجابية لليبيا.
حاوره عبد الرحمان عمار