في هذا المقال، يستعرض الصحفي الألماني مايكل براون ألكسندر سحر الثقافة المغربية وجمال العمارة في مدينتي الصويرة ومراكش.
الساعة الزرقاء، هي تلك اللحظة الفريدة التي تفصل بين النهار والليل، حيث يضفي الضوء الخافت على المدن طابعًا ساحرًا. في المغرب، تمتاز هذه الظاهرة بجاذبية خاصة، لا سيما في الصويرة أو من فوق أسطح مراكش، حيث يتجلى الجمال في أبهى صوره.
في تمام الساعة 17:43، يبدأ هذا المشهد الخلاب في الصويرة، المدينة الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي. فمع غروب الشمس خلف الأفق، لا يحل الظلام على الفور، بل تمتد فترة الشفق لمدة 45 دقيقة، يغمر خلالها ضوء أزرق باهت شوارع المدينة، مما يمنحها طابعًا شاعريًا فريدًا.
أجواء الصويرة عند الغروب
على طول الكورنيش، الذي يمتد لمسافة كيلومترين، يمكن رؤية النساء المحجبات وهنّ يجلسن على المقاعد الحجرية، متأملات في الأفق والجزر القريبة، التي كانت يومًا ما مصدرًا لصبغة الأرجوان الملكي لدى الفينيقيين والرومان. في الجوار، يلعب الصبية كرة القدم بحماس، فيما يستعرض الشبان مهاراتهم الرياضية على العارضة الحديدية على أنغام الهيب هوب المنبعثة من أجهزة التسجيل المحمولة.
تضيف المشاهد الحياتية لمسات من السحر إلى هذه اللحظات: قوافل الجمال تعبر ببطء، الخفافيش تحلق بصمت، وكبار السن يتجولون في هدوء مرتدين الجلابيب التقليدية والبلغة المغربية، بينما يرتدي آخرون ملابس غربية عصرية. من جهة أخرى، تتسلل رائحة السمك المشوي من المطاعم المنتشرة في الشوارع، ممزوجة بنسيم البحر العليل، بينما تغمر أضواء المصابيح المدينة بلون سماوي يزيد من تأثير الساعة الزرقاء.
بين الأسطورة والواقع: ماذا تعني الساعة الزرقاء؟
يصف الكاتب الأسكتلندي ألكسندر ماكول سميث هذه اللحظة بأنها “النصف ساعة الثمينة قبل العشاء”، حيث تعود الطيور إلى أعشاشها، ويعم السكون، وكأن عجلة الزمن تتوقف. أما الكاتب الأمريكي بول باولز، الذي عاش معظم حياته في المغرب، فقد قال عنها: “إنها لحظة يسقط فيها الزمن مثل حجر في الهاوية”.
لكن ليس كل المغاربة ينظرون إلى الساعة الزرقاء بهذه الرومانسية. يقول المرشد السياحي زهير “زوزو” محمد، وهو أمازيغي من ورزازات: “لم أسمع بهذا المفهوم من قبل، ولكن في معتقداتنا، هذه هي الفترة التي لا يؤذي فيها الشيطان الملائكة”. ربما هو تفسير مختلف، لكنه يحمل جوهرًا مشابهًا لفكرة السلام والهدوء التي تمثلها هذه اللحظة.
الصويرة: بوتقة الثقافات وسحر البحر
لطالما كانت الصويرة ملتقى للحضارات المختلفة. فمنذ العصور القديمة، مرت بها أمم متعددة، من الفينيقيين والرومان إلى البرتغاليين والعرب. كانت المدينة بمثابة الميناء التجاري لمراكش، حيث كانت قوافل الذهب والعاج القادمة من قلب الصحراء تجد طريقها إلى الأسواق هنا.
في القرن الخامس عشر، لجأ إليها اليهود السفارديم الفارون من إسبانيا والبرتغال، مما جعل الجالية اليهودية تُشكّل نصف سكان المدينة بحلول عام 1900. غير أن معظمهم هاجروا إلى إسرائيل في منتصف القرن العشرين. أما الفرنسيون، فقد أداروا المغرب كحماية استعمارية بين عامي 1912 و1956، تاركين بصمتهم في بنية المدينة وثقافتها.
اليوم، الصويرة ليست فقط مدينة ذات طابع تاريخي فريد، بل هي وجهة مثالية للاسترخاء والاستمتاع بالأجواء الهادئة، بعيدًا عن صخب المدن الكبرى. شوارعها البيضاء المزينة بالأزرق، والمصنفة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2001، يمكن استكشافها سيرًا على الأقدام في غضون ساعة واحدة فقط، حيث تزينها الأسوار الدفاعية التاريخية، التي استخدمت في تصوير مشاهد من مسلسل Game of Thrones.
مراكش: مدينة الأسطح المتغيرة
كل زائر للصويرة يكاد لا يفوّت فرصة المرور بمراكش، التي تبعد عنها ثلاث ساعات بالسيارة. المدينة، التي لطالما اشتهرت بفوضويتها وسحرها في آنٍ واحد، كانت في الماضي مكانًا يصعب على السياح التعامل معه بسبب مضايقات التجار والمرشدين غير الرسميين. لكن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة، بعد أن فرضت السلطات المغربية قواعد صارمة لتنظيم السياحة، مما جعل مراكش أكثر ترحيبًا بالزوار.
بفضل هذه التغييرات، استقبل المغرب 17.4 مليون زائر في عام 2024، متجاوزًا كلًا من مصر وجنوب إفريقيا، ليصبح الوجهة السياحية الأولى في القارة.
تجربة السطوح المغربية: حيث يلتقي الأفق بالساعة الزرقاء
إذا كان هناك مكان مثالي للاستمتاع بالساعة الزرقاء، فهو بلا شك أسطح المنازل والرياضات (Riads) المغربية. يقول زوزو: “قبل بضع سنوات، بدأ هوس الأسطح في المغرب. كنا دائمًا ننام فوق الأسطح في الصيف، لكن اليوم، تحوّلت إلى أماكن راقية للاستجمام”.
في مراكش، توفر العديد من المطاعم والفنادق مشاهد بانورامية خلابة. من سطح “Café de France”، يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة الحياة الصاخبة في ساحة جامع الفنا، بينما يوفر مطعم “Mythe” إطلالة رائعة على الأسواق التقليدية. أما “Villa des Orangers”، فهي واحدة من أجمل رياضات المدينة، حيث توفر شرفات خاصة مطلة على صومعة الكتبية، أحد المعالم الإسلامية الأكثر شهرة.
أما في الصويرة، فيعد سطح “Heure Bleue Palais” المكان المثالي للاستمتاع بمشهد الغروب فوق المحيط، حيث يمكن للزوار احتساء الشاي المغربي وهم يتأملون الجزر القرمزية وسط أجواء حالمة.
المصدر: صحيفة “دي فليت“