تقرير ألماني: استراتيجية المغرب في التعاون الإقليمي بين الأمن والتنمية الاقتصادية
التطورات الجيوسياسية ومعضلات الأمن البحري
تعد التحولات الجيوسياسية في البحر الأحمر والموقع الاستراتيجي الحساس للمغرب كحلقة وصل بين إفريقيا، أوروبا، والأمريكتين تفرض تعقيدات على أمنه البحري. وبينما يستفيد المغرب اقتصادياً من تصاعد أهمية موانيه، فإن سواحله تواجه تهديدات كالهجرة غير النظامية مثلا. ومن خلال رؤية تكاملية للتعاون الإقليمي، يسعى المغرب إلى الاستفادة من هويته الأطلسية والمتوسطية لتعزيز الانفتاح التجاري، وحماية حدوده البحرية. ومع ذلك، فإن الإجراءات التي تنفذها القوات البحرية المغربية توضح أن التعاون الوثيق مع الدول الأوروبية والأفريقية يعد أساسياً لضمان نهج أمني ناجح.
الأهمية الاستراتيجية لموقع المغرب الجغرافي
منذ استقلاله، أصبح الموقع الجيوستراتيجي الحاسم للمغرب جزءاً محورياً من رؤيته السياسية والأمنية. فالمغرب هو الدولة الأفريقية الوحيدة التي تمتلك سواحل مطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، مما يمنحها إمكانية النفاذ إلى أهم الممرات البحرية العالمية.
ويُعد مضيق جبل طارق من أكثر المسارات البحرية ازدحاماً في العالم. وفي المجال الاقتصادي البحري الحصري الذي يمتد على أكثر من 3500 كيلومتر مربع، سجلت البلاد نشاطاً تجارياً مكثفاً، حيث يتم 98 بالمائة من التجارة الدولية عبر البحر. وبناءً على ذلك، فإن المغرب لديه مصلحة مباشرة في حماية مناطقه البحرية، حيث يستثمر في تطوير إمكانيات أسطوله البحري ويعزز الشراكات مع دول محورية مثل إسبانيا والبرتغال.
تجلب التطورات الجيوسياسية الحديثة في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل تحديات أمنية متزايدة، ولكنها في الوقت ذاته تفتح المجال أمام فرص استثمارية وتجارية جديدة، مثل إعادة توجيه الطرق التجارية.
الرؤية الشاملة للمغرب للمجال البحري وإمكانيات التوسع التجاري
يضم المغرب13 ميناءً بحرياً مخصصاً للتجارة الخارجية، وأبرزها ميناءا الدار البيضاء وطنجة. يتمتع ميناء طنجة حالياً بارتباطات مع 170 ميناءً حول العالم في 67 دولة، مما يجعل المغرب يحتل المرتبة 16 عالميًا من حيث الربط البحري، والأولى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. يسعى المغرب إلى توسيع هذه الشبكة عبر استثمارات كبرى، مثل بناء ميناء الناظور، المتوقع تشغيله قريبًا. ويُعد ميناء طنجة بالفعل أكبر ميناء في البحر المتوسط.
نتيجة الاضطرابات العسكرية في البحر الأحمر، شهدت المياه المغربية ارتفاعًا ملحوظًا في حركة الشحن الدولي. فعقب الهجوم الإرهابي الذي نفذته حركة حماس ضد إسرائيل في أكتوبر 2023، وما تبع ذلك من هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، قامت العديد من شركات الشحن الكبرى مثل A.P. Moller-Maersk بتحويل مسار ناقلاتها عبر رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس. وهكذا، أصبح المغرب مركزاً جديداً للتجارة نحو أوروبا، مما يعزز مكانته كبوابة بحرية عالمية.
إضافة إلى ذلك، يلعب المغرب دوراً محورياً في تمكين بعض دول الساحل الإفريقي التي فُرضت عليها عقوبات وأُقصيت من التكتلات الإقليمية، عبر توفير منفذ بحري بديل يتيح لها الوصول إلى المحيط الأطلسي. يتم التخطيط لهذا المشروع بالتزامن مع تحسين البنية التحتية في الصحراء الكبرى لتسهيل حركة البضائع والتجارة.
وفي إطار آخر، انطلق بالفعل مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، والذي يهدف إلى ضمان إمدادات الغاز لجميع دول غرب إفريقيا، مع إمكانية تصديره إلى أوروبا.
الرؤية الأمنية لمجال المغرب البحري – تصاعد المخاطر العابرة للحدود
يواجه المغرب تحديات أمنية طويلة الأمد على سواحله الأطلسية والمتوسطية، أبرزها الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر. يُعد المغرب دولة عبور للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر الحدود الإسبانية في سبتة ومليلية أو جزر الكناري. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الأجهزة الأمنية المغربية تمكنت خلال السنوات الخمس الأخيرة من إحباط أكثر من 370 ألف محاولة هجرة غير شرعية.
بالتوازي مع ذلك، يُشكل التهريب الدولي للمخدرات والصيد غير القانوني في المياه المغربية تحديات متزايدة. فقد تحول المغرب إلى نقطة عبور رئيسية للكوكايين القادم من أمريكا اللاتينية، وذلك نتيجة تعزيز الرقابة الأمنية في موانئ أوروبا الشمالية مثل روتردام وهامبورغ. كما أن المغرب يعد أكبر مصدر عالمي للقنب الهندي، حيث يتم تهريب منتجاته إلى الأسواق الأوروبية عبر شبكات إجرامية منظمة.
استراتيجية المغرب في التعاون الإقليمي بين الأمن والتنمية الاقتصادية
يعتمد المغرب على نهج شمولي لتعزيز التعاون الإقليمي، حيث يركز على الحوار وبناء الشراكات سواء على المستوى الإفريقي أو الأوروبي أو العالمي. أبرمت المملكة 55 اتفاقية تجارة حرة، بما في ذلك اتفاقية مع الولايات المتحدة، ويعبر يوميًا ما يقارب 300 سفينة تجارية عبر مضيق جبل طارق.
فيما يخص إدارة الهجرة، يعمل المغرب عن كثب مع الاتحاد الأوروبي لتنظيم عودة المهاجرين غير الشرعيين وتعزيز فرص العمل القانونية. بالإضافة إلى شراكات ثنائية مع دول مثل إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، وألمانيا، حيث تم توسيع اتفاقية الهجرة مع ألمانيا مطلع عام 2024 لتشمل إجراءات متكاملة لتنظيم العمالة الماهرة.
البحرية المغربية وخطط التصدي للهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات
تواجه البحرية المغربية تحديات متزايدة بسبب الجريمة المنظمة، وتتبنى إستراتيجية متعددة الأبعاد ترتكز على الوقاية، حماية الضحايا، والمكافحة الصارمة للمهربين. لهذا الغرض، تم إنشاء مؤسسات مثل “مديرية الهجرة” و”مرصد الهجرة” لتحليل البيانات ووضع خطط استباقية. وتعمل البحرية بالتعاون الوثيق مع القوات الإسبانية على تعزيز الرقابة الحدودية، خاصة في المناطق الحساسة مثل أسيلة، طنجة، وتطوان.
لكن التحدي الأبرز يكمن في نقص المعدات البحرية مثل زوارق الدورية والطائرات المروحية، ما يعيق المراقبة المستمرة، خصوصاً في المياه الجنوبية. ولتجاوز هذا العائق، بدأ المغرب في الاستثمار في تصنيع الطائرات المسيرة، مما سيتيح مراقبة مستدامة بتكاليف منخفضة.
التحديات المتزايدة وآفاق المستقبل
رغم الجهود المتواصلة، لا تزال الهجرة غير النظامية والتجارة غير المشروعة تتصاعد بوتيرة سريعة. لذا، تحتاج المملكة إلى تعزيز استثماراتها في الأمن البحري وزيادة دورها القيادي في استراتيجيات الأمن والتجارة الإفريقية. فـالازدهار والاستقرار في المغرب مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالبحر.
بقلم: ستيفن هوفنر، آنا فايسه
المصدر: من “تقارير الدول” التي تصدرها مؤسسة “كونراد أديناور” الممثلة بمكاتبها الخاصة في حوالي 110 دولة عبر خمس قارات. عدد يناير 2025