حرية التعبير في الجزائر: اعتقال بوعلام صنصال يشعل موجة من الاحتجاجات في الأوساط الأدبية
“افتقاد الحرية عذاب يدفع الإنسان إلى الجنون مع مرور الوقت”، بهذه الكلمات تحدث الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال عند استلامه جائزة السلام لتجارة الكتب الألمانية عام 2011. واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على توقيفه في مطار الجزائر العاصمة، لا تزال أسباب اعتقاله غير واضحة، بينما تتصاعد الأصوات المطالبة بإطلاق سراحه.
منذ لحظة احتجازه، انقطع أي اتصال معه. لا يُسمح لزوجته بزيارته إلا نادرًا، كما مُنع محاميه من دخول الجزائر. وعلى الرغم من غياب أي تصريح رسمي يوضح دوافع الاعتقال، يرى العديد من المراقبين أن السبب يكمن في انتقاداته المستمرة للوضع السياسي في البلاد.
حملة تضامن أدبية واسعة النطاق
في ألمانيا، أطلق نادي القلم “بين” حملة لمناصرة صنصال، تضمنت فعاليات أدبية في لايبزيغ وبرلين، بالإضافة إلى احتجاجات خلال معرض برلين للسياحة، حيث رفع المتظاهرون لافتات تحمل شعار “حرروا صنصال”.
الكاتبة ثيا دورن، إحدى المنظمات لهذه الفعاليات، وصفت التحركات بأنها “محاولة يائسة للفت الانتباه إلى قضيته”. لكن الحملة حققت صدى واسعًا داخل المشهد الثقافي، حيث امتلأت قاعة المسرح الألماني في برلين بالكامل خلال أمسية تضامنية، كما قامت القناة الألمانية “إير بي بي” ببث الحدث مباشرة.
خلال الفعالية، تحدثت الناشرة الألمانية كاثارينا ماير عن صنصال، مشيرةً إلى أنه “رجل هادئ ومتواضع، لكنه يطرح تساؤلات عميقة ويجسدها في أعماله الأدبية”. وأكدت أن كتبه لطالما تعرضت للتشويه والهجوم في الجزائر بسبب مواقفها الجريئة.
صنصال.. كاتب يثير قلق السلطة
عُرف صنصال بآرائه النقدية الجريئة، وهو ما انعكس في رواياته، مثل “2084”، التي تصور مجتمعًا يخضع لنظام ديني استبدادي، و”قرية الألمان” (2007)، التي تحكي عن شاب يكتشف الماضي الغامض لوالده، الذي يُعتبر بطلًا قوميًا. خلال الأمسية التضامنية، قرأ أدباء بارزون، مثل دانيال كيلمان، هرتا مولر، وأليدا أسمان، مقتطفات من أعماله، في حضور شخصيات ثقافية بارزة.
الجزائر وتضييق الخناق على الأدب
الكاتب الجزائري كمال داوود، الذي جاء خصيصًا من فرنسا للمشاركة في الحدث، تحدث عن الواقع الثقافي المتدهور في الجزائر. وأوضح أن التيارات المتشددة تفرض سيطرتها على المشهد الثقافي، ما أدى إلى إغلاق أكثر من ثلثي دور النشر والمكتبات.
بحسب داوود، فإن اعتقال صنصال يمثل رسالة تخويف للأجيال القادمة من الأدباء، مفادها أن “حرية التعبير تأتي بثمن باهظ”.
اعتقال بدوافع سياسية أم تصفية حسابات دبلوماسية؟
في عام 2024، حصل صنصال على الجنسية الفرنسية، وكان يستعد لشراء منزل في فرنسا. ومع ذلك، تبقى دوافع اعتقاله غير مؤكدة. محاميه الفرنسي فرانسوا زيمراي صرح لصحيفة “تسايت أونلاين” أن موكله قد يُحاكم بموجب المادة 87 من القانون الجزائري، التي تتعلق بتهديد أمن الدولة.
لكن بعض المتابعين يرجحون أن السبب الحقيقي للاعتقال يعود إلى مقابلة أجراها صنصال في أكتوبر الماضي مع منصة “فرونتييرز” الفرنسية، حيث قال إن الصحراء الشرقية الجزائرية كانت مغربية.
هل سيتحقق ما كان صنصال يخشاه؟
في روايته “شارع داروين” (2012)، كتب صنصال عن رغبته في مغادرة الجزائر. خلال الفعالية في المسرح الألماني، قرأت هرتا مولر مقتطفات من الرواية، حيث يتحدث البطل يزيد عن بحثه عن مكان يكون فيه الجو “لا حارًا جدًا ولا باردًا جدًا”، لأنه “في مثل سني، يبدأ الإنسان بالقلق على صحته”.
اليوم، تبدو هذه الكلمات أكثر إيلامًا من أي وقت مضى. فبحسب كمال داوود، فإن صنصال مصاب بالسرطان، ويتنقل بين السجن والمستشفى. كما دخل في إضراب عن الطعام لفترة، قبل أن يُنهيه بعد ضغوط من أطبائه.
مستقبل غامض وصمت دبلوماسي
مع انتهاء الفعالية في برلين، بقيت الأسئلة حول مصير صنصال مفتوحة دون إجابة. العلاقات الجزائرية-الفرنسية تعيش توترًا متزايدًا، حيث سحبت الجزائر سفيرها من باريس، مما يُعقد أي مساعٍ دبلوماسية للتفاوض بشأن الإفراج عنه.
لكن رغم ذلك، يواصل الكُتاب تسليط الضوء على قضيته. دعا كمال داوود إلى إبقاء قضية صنصال في دائرة الضوء، مشددًا على أن التجاهل والصمت قد يكونان أخطر من السجن نفسه.
في خطابه عند استلام جائزة السلام عام 2011، قال صنصال: “في هذه الأوقات، لا خيار أمامنا سوى التحلي بالشجاعة. لأن الشجاعة تعني العيش بكرامة. ولهذا، نحن ننظر إلى المستقبل بثقة.” اليوم، بينما يقبع صنصال في زنزانته، يبقى الأمل معلقًا بصوته، وبأصوات أولئك الذين يرفضون نسيانه.
بقلم رونيا فيرتس. المصدر” صحيفة “دي تسايت” الألمانية بتاريخ 11 مارس 2025