لا يكاد يخلو يوم في برلين من حادثة إسلاموفوبيا. هذا ما يؤكده تقرير منظمة CLAIM (كليم) السنوي لعام 2024، والذي رصد 644 حالة معادية للمسلمين في العاصمة الألمانية وحدها – بزيادة تقارب 70% مقارنة بالعام السابق. هذه الأرقام لا تمثل فقط تصاعدًا كمّيًا، بل تعكس أيضًا تحوّلًا نوعيًا في درجة العنف والعداء الموجّه ضد المسلمين، سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات، مواطنين أو مهاجرين.
واقع يومي من التمييز والكراهية
التقرير، الذي صدر بالتعاون مع مؤسسات استشارية وشبكات رصد ميداني، يظهر أن المسلمين في برلين – أو من يُنظر إليهم على أنهم مسلمون – باتوا عرضة لخطر دائم في المدارس، والشارع، وفي أماكن العمل، بل وحتى داخل المؤسسات الرسمية. النسبة الأكبر من الضحايا كانت من النساء (64%)، ما يعكس التقاطع الواضح بين التمييز الديني والتمييز الجندري.
توزعت الحوادث بين 285 حالة تمييز مباشر، و248 اعتداءً لفظيًا، و91 سلوكًا جارحًا أو عدائيًا، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية التي بلغت 48 حالة، منها 5 خطيرة. هذه الأرقام – رغم فداحتها – قد لا تعكس الصورة الكاملة، إذ يشير معدّو التقرير إلى وجود فجوة كبيرة في التبليغ نتيجة خوف الضحايا أو فقدانهم الثقة في جدوى الشكاوى الرسمية.
المناخ السياسي وتأثيراته المتداخلة
ما يلفت النظر بشكل خاص في التقرير هو التزامن بين الارتفاع الحاد في الإسلاموفوبيا والخطاب السياسي المتوتر حول قضايا الهجرة، الأمن، والصراعات الدولية – ولا سيما بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. فخلال الأسابيع التالية، تم توثيق 80 حادثة معادية للمسلمين ذات صلة مباشرة بفلسطين، شملت اعتداءات جسدية، تخريبًا، تهديدات، وشتائم.
هذا التزامن ليس عشوائيًا، بل يعكس كيف يمكن للأحداث السياسية الخارجية أن تُستثمر داخليًا في تغذية خطابات الكراهية. وهنا يُطرح تساؤل جوهري: هل بات المسلمون في ألمانيا ضحايا جانبيين لتجاذبات الشرق الأوسط السياسية؟
نظرة المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني
الردود الرسمية على هذا التقرير لم تكن صامتة. فقد صرّحت كانسيل كيزلتيبه، وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية ومكافحة التمييز في حكومة برلين، بأن المدينة تقف ضد كل أشكال العنصرية، وأن “الرصد المستمر والعلني لحوادث الإسلاموفوبيا ضروري لتطوير السياسات العامة وحماية المتضررين”. لكنها لم تُخفِ أيضًا قلقها من تنامي الخطاب الذي يستخدم العداء للمسلمين كأداة لتقسيم المجتمع.
أما ريما حنانو، المديرة المشاركة في CLAIM، فشدّدت على أن هذه الأرقام لا يمكن التعامل معها كمجرد إحصاءات موسمية، بل هي مؤشر خطر على تآكل الثقة في مؤسسات الدولة، وعلى غياب الإرادة السياسية الحازمة لمكافحة هذه الظاهرة البنيوية. وطالبت بتكثيف الجهود في المدارس والإدارات العامة، وتأمين تمويل مستدام لمراكز الدعم القانوني والنفسي للضحايا.
عنصرية مؤسساتية وليست فردية فقط
الأرقام ليست معزولة عن أبحاث علمية أعمق. فوفقًا لاستطلاع Berlin Monitor 2023، يحمل 20% من سكان برلين مواقف عنصرية مغلقة تجاه المسلمين، بينما يرفض 48% الإسلام كدين. وبيّنت بيانات مركز DeZIM أن قرابة نصف المسلمين في ألمانيا تعرضوا للتمييز أثناء تعاملهم مع السلطات، فيما أفاد 39% من الرجال المسلمين أنهم تعرضوا للتمييز من قبل الشرطة.
تتفق هذه النتائج مع ما جاء في تقرير الوكالة الأوروبية لحقوق الإنسان (FRA) لعام 2024، والذي كشف أن نحو 70% من المسلمين في ألمانيا تعرضوا لأشكال مختلفة من التمييز العنصري.