أعلنت المفوضية الأوروبية أمس الأربعاء 16 أبريل إدراج عدد من الدول، من بينها مصر وتونس، ضمن قائمة “البلدان الآمنة”، وذلك بعد مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في تلك الدول. ويتيح هذا التصنيف للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى بلدانهم الأصلية بسرعة أكبر، بناءً على فرضية أن هذه البلدان تُعد آمنة ولا تواجه فيها الفئات العامة خطر الاضطهاد.
وقالت المفوضية في بيان إن هذه القائمة، التي أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، ستسمح للدول الأعضاء بـ”النظر في طلبات اللجوء المقدمة من رعايا الدول المدرجة وفق إجراءات مسرّعة، نظراً لانخفاض احتمالية قبولها”.
ورغم أن عدد المهاجرين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي انخفض بنسبة 38 بالمئة العام الماضي، وهو الأدنى منذ عام 2021، إلا أن ملف الهجرة لا يزال من أكثر الملفات حساسية في أروقة الاتحاد الذي يضم 27 دولة. وتضم القائمة المحدثة كلاً من بنغلاديش، كولومبيا، الهند، كوسوفو، المغرب، مصر وتونس، وهي دول ترى المفوضية أن العودة إليها لا تشكل خطراً عاماً على حياة أو حرية طالبي اللجوء المرحّلين. ومع ذلك، تؤكد المفوضية أن القائمة ليست نهائية ويمكن مراجعتها أو تعديلها بمرور الوقت.
الجزائر خارج القائمة… والملف الحقوقي في الواجهة
في المقابل، لم تشمل القائمة الجزائر، وهو ما اعتبره خبراء في برلين دليلاً على القلق الأوروبي المتزايد بشأن تدهور أوضاع حقوق الإنسان فيها. ويأتي هذا التوجه بعد تصاعد الانتهاكات، أبرزها اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، الذي يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات.
وقد أثارت قضية صنصال ردود فعل قوية داخل البرلمان الأوروبي، حيث صوّت أغلبية ساحقة من النواب، نهاية يناير الماضي، على قرار يطالب بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عنه”، ويدين توقيفه إلى جانب عدد من النشطاء والمعارضين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وحاز القرار تأييد 533 نائباً مقابل معارضة 24 فقط، وشارك في صياغته نواب يمثلون خمساً من كتل البرلمان الرئيسية، من بينها المحافظون الأوروبيون، والاشتراكيون، والليبراليون، والمدافعون عن البيئة. وأكد القرار أن “الاحتجاز يفتقر إلى الأساس القانوني ويتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير”.
قلق أوروبي متزايد من التدهور الحقوقي في الجزائر
عبّر البرلمان الأوروبي عن انشغاله الشديد إزاء ما وصفه بـ التدهور المنهجي في حالة حقوق الإنسان داخل الجزائر، مشددًا على أن الانتهاكات لا تقتصر على ملف الكاتب بوعلام صنصال، بل تمتد لتشمل الاحتجازات التعسفية التي طالت عددًا من الصحفيين والمثقفين، من أبرزهم عبد الوكيل بلام ومحمد تاجديت، إضافة إلى أوضاع الاحتجاز الصعبة التي يواجهها المعارضون السياسيون والناشطون المدنيون. كما نبه البرلمانيون إلى أن التعديلات المرتقبة في قانون العقوبات لسنة 2024 قد تؤدي إلى مزيد من التضييق على حرية التعبير والرأي. ووفقًا لتقارير منظمات حقوقية، تراجعت الجزائر إلى المرتبة 139 عالميًا في تصنيف حرية الصحافة، حيث يوجد على الأقل 215 معتقلًا لأسباب تتعلق بالرأي.
الشراكة الأوروبية مرهونة بالإصلاحات
وحث البرلمان الأوروبي السلطات الجزائرية على إلغاء المواد القانونية التي تُقيّد الحريات، مثل المواد 87 مكرر، 95 مكرر، و196 مكرر، وعلى ضمان استقلالية الجهاز القضائي. كما أكد على ضرورة الالتزام الفعلي بما تنص عليه المادة 54 من الدستور بشأن حرية الإعلام. وربط النواب الأوروبيون تجديد اتفاقيات التعاون مع الجزائر بتحقيق تقدم ملموس في مجال تعزيز سيادة القانون، ولم يستبعدوا إعادة تقييم الدعم المالي الأوروبي – الذي وصل إلى 213 مليون يورو بين عامي 2021 و2024 – في حال عدم ملاحظة تحسينات حقيقية في الوضع الحقوقي في البلاد.
الهجرة والأمن والحقوق… توازن معقّد
تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق توازن صعب بين حماية حدودها وتعزيز الأمن الداخلي، وبين الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. فبينما ترى بعض الدول أن إدراج بلدان في قائمة “الدول الآمنة” يساعد على تسريع إجراءات اللجوء وترحيل المرفوضين، تُحذر منظمات دولية من اتباع سياسة هجرة مشددة تحت ضغط اليمين المتطرف.