في هذا المقال الصادر يوم الثلاثاء 3 يونيو، يعرض هانز-كريستيان ريسلر، المراسل السياسي لصحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ (F.A.Z.) لشبه الجزيرة الإيبيرية ومنطقة المغرب العربي من مكتبه في مدريد، الموقف البريطاني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحلّ نزاع الصحراء.
نص المقال:
في العاصمة البريطانية، لا يُخفي المسؤولون إعجابهم بالفرص الاقتصادية الواسعة التي يتيحها المغرب. ويُنظر في الرباط إلى هذا الموقف باعتباره إنجازًا دبلوماسيًا إضافيًا ونقطة تفوّق سياسية جديدة. فمع إعلان المملكة المتحدة تأييدها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، تصبح القوة الثالثة الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي تملك حق النقض (الفيتو) من بين المؤيدين، مُضفيةً عليها أعلى درجات التقدير. وقد صرّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال زيارته الأخيرة للرباط بأن المبادرة المغربية تمثل «الحل الأكثر جدارة بالثقة وواقعية ومرونة» لتسوية النزاع.
وسبق أن وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في يوليو 2024، الخطة المغربية بأنها «المرتكز الوحيد» الممكن. أما الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، فقد كان السبّاق في ديسمبر 2020، عندما أعلن اعترافه بسيادة المغرب على الإقليم المتنازع عليه. وفي خطوة مشابهة، تبنّت الحكومة الإسبانية قبل ثلاث سنوات خطابًا يكاد يتطابق مع تصريحات الوزير البريطاني.
وعلى الرغم من أن غالبية العواصم الغربية الكبرى قد أبدت دعمها العلني للمقترح المغربي، لا تزال ألمانيا تلتزم موقفًا متحفظًا. فبرلين تُبدي نوعًا من الانفتاح على المبادرة، إلا أنها ما زالت تشدد على ضرورة التوصل إلى «حل توافقي بين جميع الأطراف» تحت مظلة الأمم المتحدة. ويعود أصل النزاع إلى مطالبات بتنظيم استفتاء لتقرير المصير لسكان الإقليم لتحديد مصيرهم بين الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال. أما الأمم المتحدة، التي تدير بعثتها “مينورسو” في المنطقة منذ عام 1991، فلا تزال تعتبر الصحراء الغربية آخر إقليم إفريقي لم يُستكمل فيه مسار إنهاء الاستعمار.
نوفمبر المقبل: مرور نصف قرن على اندلاع الأزمة
غير أن عدداً متزايداً من الدول بات يُرجّح تعميق شراكاته الاقتصادية مع المغرب على حساب الاستمرار في الجمود السياسي حول النزاع، الذي تحلّ في نوفمبر المقبل الذكرى الخمسون لانطلاقه. ففي أعقاب انسحاب إسبانيا، أطلق الملك الحسن الثاني حينها “المسيرة الخضراء” التي شارك فيها حوالي 350 ألف مواطن مغربي غير مسلح باتجاه الصحراء الغربية، لتأكيد مطالبة المغرب بالمنطقة.
وفي سابقة هي الأولى منذ 14 عامًا، زار وزير خارجية بريطاني العاصمة المغربية نهاية الأسبوع المنصرم. وأعرب ديفيد لامي عن إعجابه العميق بالفرص الاقتصادية المتاحة في المملكة، مشيرًا إلى الطموحات المشتركة التي تجمع البلدين في «تحقيق نجاحات كبرى على الساحة الكروية العالمية»، في إشارة إلى تنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة المغرب وإسبانيا والبرتغال. وتسعى المملكة في هذا الإطار إلى تحديث بنيتها التحتية الرياضية عبر استثمارات ضخمة، وهو ما يفتح آفاقًا واعدة أمام الشركات البريطانية.
صفقات بمليارات الجنيهات
كتبت صحيفة الإندبندنت البريطانية تحت عنوان لافت: “ستارمر يغيّر مسار خمسين عامًا من السياسة الخارجية لإبرام صفقة بـ33 مليار جنيه إسترليني مع المغرب”. وتشير تقارير إلى إمكانية تنفيذ بعض هذه المشاريع في أراضي الصحراء الغربية. كما ذكرت وكالة الأنباء المغربية الرسمية (MAP) أن وكالة تمويل الصادرات البريطانية الحكومية تدرس حاليًا تأمين استثمارات بقيمة تصل إلى ستة مليارات يورو في مشاريع داخل المغرب.
وفي خريف العام الماضي، قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفدًا كبيرًا من رجال الأعمال في زيارة موسعة إلى المغرب، جرى خلالها بحث مشاريع استثمارية تُقدَّر قيمتها بعشرة مليارات يورو.
غضب جزائري وتحالفات جديدة
أثار هذا التقارب الفرنسي-المغربي تدهورًا ملحوظًا في العلاقات بين الجزائر وباريس. وتُعتبر الجزائر الداعم الأبرز لجبهة البوليساريو، التي استأنفت العمل العسكري في السنوات الأخيرة للمطالبة باستقلال الصحراء الغربية. وسارعت الجزائر إلى التعبير عن استيائها من موقف لندن، الذي يدعم خطة الحكم الذاتي المغربية التي طُرحت على الأمم المتحدة سنة 2007، لكنها لا تزال تفتقر إلى التفاصيل الدقيقة حتى اليوم.
ويتمثل الغموض الأساسي في حدود الصلاحيات التي يمكن أن تُمنح لحكومة حكم ذاتي محتملة، بالإضافة إلى مستقبل نحو 20% من الإقليم لا تزال تحت سيطرة جبهة البوليساريو، فضلًا عن مصير أكثر من 170 ألف لاجئ يعيشون منذ عقود في مخيمات قرب مدينة تندوف الجزائرية.
ومع تمسك الجزائر بدعم البوليساريو، تبدو معزولة بشكل متزايد على الساحة الدولية، ما يدفعها نحو تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين – وهما دولتان تملكان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لكنهما تبنيان موقفيهما من نزاع الصحراء على الحذر والتريث. وتضع بكين في أولوياتها الحفاظ على المصالح الاقتصادية المتنامية في إفريقيا.
ثبات في الموقف الأمريكي
في واشنطن، عاد دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الذي غيّر مسار النزاع في عام 2020 من خلال اعترافه بسيادة المغرب ضمن صفقة سياسية كبرى. وأدى هذا التحوّل إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين المغرب وإسرائيل – علاقات لم تتأثر حتى بالتطورات الدراماتيكية في غزة.
وفي وقت لاحق من هذا العام، جدّد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي، معتبرًا إياها «الأساس الوحيد لتسوية عادلة ومستدامة». وحتى خلال ولاية الرئيس جو بايدن، لم تُتخذ أي خطوات لتغيير موقف إدارة ترامب من الملف، رغم أن القنصلية الأمريكية التي أُعلن عن افتتاحها في الصحراء لم تُباشر عملها بعد. وفي أواخر 2024، جذبت زيارة خاصة قام بها جاريد كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب إلى مدينة الداخلة الساحلية الأنظار مجددًا نحو المنطقة.
فرض وقائع جديدة في الجنوب
على أرض الواقع، يواصل المغرب فرض معطيات ميدانية جديدة في جنوب الصحراء الغربية. فالمدينة الساحلية الداخلة – المعروفة سابقًا باسم “فيلا سيسنيروس” خلال الاستعمار الإسباني – تشهد طفرة عمرانية هائلة، مع تشييد ميناء ضخم بتكلفة 1.2 مليار يورو، يهدف إلى جعلها بوابة المغرب نحو غرب القارة الإفريقية، على غرار ميناء طنجة المتوسط في الشمال.
ومن المقرر أن يخدم هذا الميناء عدة أغراض، من تصدير الأسماك والبضائع إلى نقل الهيدروجين الأخضر. كما تسعى الحكومة المغربية إلى إطلاق مشاريع متقدمة في مجالات طاقة الرياح، وتحلية مياه البحر لخدمة الزراعة والقطاع السياحي.
وتعمل شركة الطيران منخفضة التكلفة “رايان إير” حاليًا على نقل أفواج من السياح إلى شواطئ الداخلة الرملية والعاصفة، التي أصبحت إحدى أبرز وجهات المغرب الناشئة.