منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، كانت العلاقات بين إيران ودول المغرب العربي (الجزائر، المغرب، تونس) مليئة بالتقلبات والتوترات. رغم أن النزاعات العنيفة في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023 قد زادت من شعبية إيران بين بعض الفئات الشعبية في المنطقة، إلا أن هذه العلاقات الرسمية لم تشهد تغيرات جذرية. في هذا السياق، سنعرض تحليلاً للعلاقات الثنائية بين إيران وكل من الجزائر والمغرب وتونس.
1. الجزائر وإيران: علاقات متأرجحة بين التقارب والتوتر
لطالما حافظت الجزائر على علاقات وثيقة مع إيران، خصوصًا في العقود الأولى بعد الثورة الإيرانية. وقد لعبت الجزائر دورًا محوريًا في الوساطة للإفراج عن الرهائن الأمريكيين في طهران في عام 1981، مما عزز التعاون بين البلدين. إلا أن العلاقات شهدت تدهورًا ملحوظًا في بداية التسعينيات بعد اتهام العسكر الجزائري لإيران بدعم “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” (FIS) بالمال والسلاح، وهو ما أدى إلى قطع العلاقات بين عامي 1993 و2000.
بعد استئناف العلاقات في الألفية الجديدة، تحسنت العلاقات بشكل عام رغم وجود بعض الخلافات، خاصة حول الأنشطة الشيعية في غرب الجزائر. ومع ذلك، تتداخل مصالح البلدين في العديد من الملفات الجيوسياسية، مثل:
· التعاون في حركة عدم الانحياز.
· العلاقات المتينة مع روسيا.
· الدعم المشترك للقضية الفلسطينية.
· الموقف العدائي تجاه إسرائيل.
في عام 2023، شهدت العلاقات بين الجزائر وإيران تقاربًا كبيرًا، شمل تبادل الزيارات على أعلى المستويات، وإلغاء التأشيرات المتبادلة، ودعوة الرئيس الجزائري لزيارة إيران. إلا أن الدعم الإيراني لجبهة البوليساريو في نزاع الصحراء الغربية لا يزال يشكل نقطة توتر مستمرة.
2. المغرب وإيران: تاريخ من الأزمات الدبلوماسية
تميزت العلاقات بين الرباط وطهران بالتوتر المستمر منذ الثورة الإيرانية. في عام 1979، دعمت إيران جبهة البوليساريو واعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، مما دفع المغرب إلى قطع علاقاته مع طهران في 1981. واستمرت هذه القطيعة حتى عام 1991، قبل أن تتجدد العلاقات بعد ذلك.
لكن في عام 2009، عادت العلاقات للتوتر بعد اتهام المغرب لإيران بالتدخل في الشؤون الداخلية، متهمة إياها بتشكيكها في سيادة البحرين ومحاولة نشر التشيّع في المملكة. وفي عام 2018، عاد التوتر مرة أخرى عندما اتهمت الرباط طهران، عبر حزب الله اللبناني، بتقديم الدعم العسكري لجبهة البوليساريو، مما أدى إلى قطع العلاقات للمرة الثالثة.
ورغم محاولات التقارب بين إيران والسعودية في 2023، رفضت الرباط أي محاولات إيرانية لإعادة بناء العلاقات. على الرغم من بعض الانفتاح السياسي، فإن الرباط تظل حذرة تجاه طهران وتبقى علاقتها معها مليئة بالتحديات.
3-تونس وإيران: براغماتية حذرة
أما تونس، فقد اتسمت علاقاتها مع إيران بالحذر والبراغماتية. منذ الثورة التونسية في 2011، حاولت تونس التوازن بين الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران والعلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية والخليجية. لم تكن هناك علاقات دبلوماسية قوية طوال العقدين الماضيين، لكن في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بعض التطورات الإيجابية.
تونس تتبنى سياسة براغماتية حذرة تجاه إيران، وهي تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية والديبلوماسية دون الوقوع في صراع مع حلفائها التقليديين في المنطقة. رغم ذلك، فإن تونس لا تنسجم تمامًا مع المواقف الإقليمية لإيران، خاصة فيما يتعلق بالصراعات في الشرق الأوسط.
تظل علاقات إيران مع دول المغرب العربي علاقات متقلبة مليئة بالتوترات والتحديات، وهي تنطوي على مزيج من التعاون البراغماتي والصراعات الجيوسياسية. بينما تبقى بعض الدول مثل الجزائر أكثر انفتاحًا على إيران، تظل دول مثل المغرب وتونس حذرة، مما يعكس الوضع المعقد في المنطقة وتأثير التحولات الإقليمية والدولية.
منذ استقلال تونس في عام 1956، تبنت البلاد نهجًا براغماتيًا في علاقاتها مع إيران، حيث كانت توازن بين الحفاظ على مصالحها الوطنية من جهة، وعلاقاتها مع القوى الكبرى في المنطقة من جهة أخرى. لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979، تغيرت ملامح هذه العلاقات بشكل كبير، خاصة بعد اتهام الحكومة التونسية لطهران عام 1982 بمحاولة تحريض المعارضة الداخلية، وهو ما أدى إلى إغلاق السفارة الإيرانية في تونس.
في التسعينيات، بدأت العلاقات بين البلدين تتحسن تدريجيًا. ومع ثورة 2011، شهدت العلاقات الدبلوماسية تقاربًا ملحوظًا، خاصة مع دعم حركة النهضة الإسلامية للعلاقات مع إيران، التي كانت في وقتها تسعى لتوثيق الروابط مع طهران في سياق الربيع العربي. وكان ذلك في سياق تفاوت المواقف الإقليمية، حيث اعتبرت دول الخليج مثل الإمارات والسعودية الربيع العربي تهديدًا لمنظومتها الإقليمية.
يُقال إن الرئيس التونسي قيس سعيّد يملك إعجابًا بفكر الثورة الإيرانية، حيث يُعرف أيضًا أن شقيقه نوفل سعيّد من أتباع المفكر الإيراني علي شريعتي، الذي يعتبر من أبرز منظري الفكر الإسلامي الحديث في إيران. ومع ذلك، يبقى جزء كبير من النخب العلمانية والسلفيين في تونس معاديًا لإيران، حيث تعتبرها بعض الأطياف السياسية تهديدًا دينيًا وثقافيًا.
من الجدير بالذكر أن تونس هي الدولة المغاربية الوحيدة التي تحتضن مركزًا ثقافيًا إيرانيًا، والذي تم افتتاحه في عام 2007، ولكنه يثير جدلاً سياسيًا مستمرًا في الأوساط التونسية. هذه العلاقة المعقدة تبرز التحديات التي تواجهها تونس في إدارة توازناتها الدبلوماسية بين القوى الإقليمية المتصارعة.
المغرب وإسرائيل: تعاون عسكري متزايد
في سياق متصل بالتحولات الإقليمية، شهدت العلاقات بين المغرب وإسرائيل تطورًا ملحوظًا منذ نوفمبر 2021، عندما زار وزير الدفاع الإسرائيلي المغرب، حيث تم توقيع أول اتفاقية دفاعية رسمية بين البلدين. وفي يوليو 2022، قام رئيس الأركان الإسرائيلي بزيارة تاريخية إلى المغرب، مما عزز التعاون العسكري والاستخباراتي بين البلدين.
قبل 7 أكتوبر 2023، كانت هناك إعلانات منتظمة عن صفقات شراء المغرب لأسلحة إسرائيلية متطورة، مثل الطائرات المسيّرة والمدرعات، وهو ما شكل رسالة واضحة لدول الجوار، مثل الجزائر. هذا التعاون العسكري يبدو أنه يشكل جزءًا من استراتيجية المغرب لتعزيز قدراته الدفاعية والإقليمية، رغم التعقيدات السياسية التي تترتب على هذه الخطوة في السياق العربي.
التعاون الأمني بين الجزائر وإيران: غموض وشائعات
على الرغم من التقارب السياسي بين الجزائر وإيران في بعض المجالات، لا توجد معلومات موثوقة حول وجود تعاون أمني مباشر بين البلدين. آخر تقرير رسمي عن لقاءات أمنية رفيعة المستوى بين الجزائر وطهران يعود إلى عام 2002، حيث لم تُكشف أي معلومات جديدة ذات مصداقية حول هذا التعاون.
مع ذلك، هناك تكهنات وشائعات حول وجود تنسيق غير معلن بين البلدين في بعض القضايا الإقليمية مثل الحرب في أوكرانيا، والنزاع في الشرق الأوسط، والأزمة في ليبيا، والحرب في اليمن. تُشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن الجزائر قد تكون مهتمة بشراء طائرات مسيرة إيرانية، لكن لم يتم تأكيد هذه المعلومات من مصادر مستقلة.
هناك أيضًا مزاعم غير مؤكدة، مصدرها وسائل إعلام مغربية وسعودية وإسرائيلية، تفيد بأن حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، قد يكون يقدم الدعم لجبهة البوليساريو في نزاع الصحراء الغربية. ومع ذلك، لم يتم إثبات هذه المزاعم بشكل قاطع، رغم إشارات من بعض أجهزة الاستخبارات الغربية حول احتمال وجود صلة.
تظل العلاقات بين إيران ودول المغرب العربي في حالة من التقلب المستمر والتعقيد. بينما تسعى تونس إلى الحفاظ على سياسة براغماتية في علاقاتها مع طهران، فإن المغرب يعزز من تحالفاته العسكرية مع إسرائيل، ما يعكس التوترات الإقليمية المتزايدة. وفي الجزائر، يستمر الغموض حول طبيعة التعاون الأمني مع إيران، مع تداول العديد من الشائعات والتكهنات التي تزيد من تعقيد الوضع.
د. إيزابيل ويرنفلس ، باحثة في قسم الشرق الأوسط وإفريقيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين.
المصدر: berlin.org/-https://www.swp