يرى الصحفي الألماني ميركو كيلبيرث، المقيم في تونس، آن تعاقب عشرات الحكومات على الحكم في تونس يعد أحد العوامل الأساسية التي تعرقل مسار الإصلاحات بالبلاد. لكنه ليس السبب الوحيد كما يشرح المقال.
تغيير جديد في رأس السلطة التنفيذية
أقدم الرئيس التونسي قيس سعيّد، فجر الجمعة 21 مارس، على إعفاء رئيس الوزراء كمال المدوري من منصبه، ليُسند المهمة إلى وزيرة التجهيز والإسكان، سارة الزفراني الزنزري، دون تقديم أي تفسير رسمي لهذا القرار. تأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة من التعديلات المستمرة، حيث تعد هذه ثالث مرة خلال أقل من عامين يتم فيها تعيين رئيس وزراء جديد. بذلك، أصبحت الزنزري، أقدم أعضاء الفريق الحكومي، على رأس الجهاز التنفيذي. ومنذ اندلاع الثورة التونسية عام 2010، تعاقبت عشر حكومات مختلفة على السلطة، وهو ما يعتبره الصحفي الألماني ميركو كيلبيرث، المقيم في تونس، أحد العوامل الأساسية التي تعرقل مسار الإصلاحات الديمقراطية.
أثارت الإقالة الأخيرة موجة جديدة من الجدل داخل الشارع التونسي، حيث أصبح المواطنون أكثر تشكيكًا في قدرة الرئيس على إيجاد حلول فعلية للأزمة الاقتصادية الخانقة.
تصاعد التوتر الاجتماعي بسبب ملف الهجرة
يؤكد كيلبيرث أن قضية الهجرة أصبحت الشغل الشاغل في تونس حاليًا. فقد تفاقمت حدة الاحتقان بين عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين وسكان المناطق الساحلية، خاصة بعد تصاعد دعوات تطالب بترحيل جميع المهاجرين خلال يوم الوحدة الوطنية. وبلغ الخطاب السياسي ذروته مع تداول مقترحات مثيرة للجدل، من بينها فرض التعقيم القسري على بعض المهاجرات. في الوقت نفسه، شهدت حركة القوارب المتجهة من السواحل التونسية نحو جزيرة لامبيدوزا الإيطالية تراجعًا ملحوظًا، وذلك تحت وطأة الضغوط التي يمارسها الاتحاد الأوروبي على الرئيس سعيّد للحد من تدفق المهاجرين. ويرى كيلبيرث أن الإقالة الأخيرة جاءت كمحاولة لتحميل رئيس الحكومة مسؤولية الأزمة، دون أن يصدر عن الرئيس أي تصريح واضح بشأن موقفه الحقيقي من هذه القضية.
إعادة هيكلة مستمرة في مؤسسات الدولة
منذ توليه الحكم في أكتوبر 2019، واصل قيس سعيّد نهج التعديلات المتكررة في المناصب العليا. فقد أقال العديد من الولاة والمسؤولين المحليين بدعوى الشك في نزاهتهم أو اتهامهم بعرقلة برنامجه الإصلاحي. وغالبًا ما يتخذ سعيد هذه القرارات بشكل فردي، مقتنعًا بوجود “مؤامرات” تستهدف مشروعه السياسي. ورغم ذلك، لا يزال الرئيس التونسي يعوّل على تغييرات متكررة في التشكيلات الإدارية لإحداث اختراق في الإصلاحات، خاصة أن الحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مرتبط بتنفيذ تغييرات جوهرية على المستوى الاقتصادي والسياسي.
تعاني تونس من أزمة هيكلية في نظامها السياسي، حيث يعود ضعف السلطة المحلية إلى إرث إداري قديم يعود إلى الحقبة الاستعمارية.
تصاعد الشكوك في أوساط الشارع التونسي
أثارت الإقالة الأخيرة موجة جديدة من الجدل داخل الشارع التونسي، حيث أصبح المواطنون أكثر تشكيكًا في قدرة الرئيس على إيجاد حلول فعلية للأزمة الاقتصادية الخانقة. فبدلًا من وضع رؤية واضحة للخروج من الأزمة، يبدو أن قراراته مدفوعة أكثر بحسابات سياسية ضيقة، وفقًا لكيلبيرث. كما أن تعيين الزنزري على رأس الحكومة لن يُحدث تغييرًا جذريًا، نظرًا لارتباطها الوثيق بالرئيس واعتمادها الكامل على دعمه. في المقابل، يواجه الاقتصاد التونسي تحديات متزايدة، في ظل تفشي البيروقراطية واستفحال الفساد. ويتوقع كيلبيرث أن تشهد البلاد أزمة مالية حادة بحلول نهاية موسم السياحة في الخريف، إذا لم تُتخذ خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمات المتفاقمة.
أزمة الحكم المحلي والديمقراطية القاعدية
تعاني تونس من أزمة هيكلية في نظامها السياسي، حيث يعود ضعف السلطة المحلية إلى إرث إداري قديم يعود إلى الحقبة الاستعمارية. وكان سعيّد قد طرح فكرة “الديمقراطية القاعدية” كبديل للنظام السياسي المركزي، بهدف منح المجالس المحلية المزيد من الصلاحيات، إلا أنه كان أكبر عائق أمام تحقيق هذا الهدف بسبب أسلوبه السلطوي في الحكم. ويرى كيلبيرث أن الرئيس التونسي يواجه مأزقًا معقدًا: فمن جهة، يسعى لتعزيز الحكم المحلي، لكن من جهة أخرى، يكرس سيطرته المطلقة على مؤسسات الدولة، مما يؤدي إلى عرقلة أي تحول ديمقراطي حقيقي.
المصدر: إذاعة وتلفزيون سويسرا SRF