يرى عالم السياسة الألماني هيرفريد مونكلر أن التقارب الأمريكي-الروسي ينذر ببداية نظام عالمي جديد، حيث باتت الولايات المتحدة تقترب من المعسكر الاستبدادي. أوروبا مهمشة، لكنها لم تُهزم بعد. ومع ذلك، يرى مونكلر أيضًا طرقًا للخروج من هذا المأزق الذي يعد أخطر تحدٍ يواجه الاتحاد الأوروبي منذ نشأته.
حاوره: ينس مونشرات
مقابلة مع هيرفريد مونكلر
سيد مونكلر، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد التفاوض مع فلاديمير بوتين حول أوكرانيا دون إشراك الأوروبيين، بينما يطالب في الوقت نفسه بأن تتولى أوروبا تأمين أي اتفاق سلام وتمويله. هل هذا مجرد وقاحة أم استراتيجية محسوبة؟
إنه ببساطة مظهر من مظاهر النظام العالمي الجديد، حيث لم يعد هناك سوى القوة. كنت أؤكد لسنوات أن على الأوروبيين بناء قدراتهم الخاصة ليتمكنوا من الصمود في هذا العالم. إن رغبة ترامب وبوتين في التفاوض فوق رؤوس المعنيين، بينما يُبلغ الأوروبيون بالنتائج لاحقًا، أمر غير مقبول على الإطلاق.
ما رأيك في تصريحات نائب الرئيس فانس في ميونيخ بأن التهديد للديمقراطية لا يأتي من روسيا أو الصين، بل من أوروبا ذاتها بسبب تقييد حرية التعبير؟
هذا هجوم مضاد متوقع. فانس كان يعلم أن النقاش في ميونيخ سيتطرق إلى تآكل الديمقراطية الأمريكية، لذا بادر بمهاجمة الأوروبيين بادعاءات لا أساس لها. كما أن تصريحاته تعكس التفكير السائد في جزء من إدارة ترامب، حيث يسعى لمنح إيلون ماسك ومنصته الإعلامية حرية غير محدودة. وهو أيضًا يحاول دعم الأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا. من الجيد أن وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، رد عليه بحزم، رغم أن فانس كان قد التقى بالفعل بأليس فايدل (زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا).
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير صرح بأن الولايات المتحدة أصبحت ترى العالم بطريقة مختلفة عنا، دون اعتبار للقواعد أو الشراكات أو الثقة المتبادلة. هل نحن أمام القطيعة النهائية في العلاقات عبر الأطلسي؟
يبدو أن “الغرب الأطلسي” كفاعل جيوسياسي في طريقه إلى النهاية. على أوروبا أن تدرك ذلك الآن. كان هناك اعتقاد خاطئ لدى الساسة الأوروبيين بأن محاولات استرضاء ترامب يمكن أن تؤتي ثمارها، لكن ذلك لا ينجح إلا إذا رضخوا له تمامًا. حزب البديل من أجل ألمانيا مستعد لذلك، تمامًا كما أنه بالفعل ينفذ سياسات تتماشى مع رغبات بوتين.
هل نحن أمام تكرار لاتفاق يالطا، حيث تعاد تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى كما حدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟
يمكننا وصف الأمر بذلك. يالطا تعني أن قوى محددة تعيد رسم خريطة العالم، ولا يُسمح بالتحرك إلا لمن يملك القوة. أما الآخرون، فيتحولون إلى مجرد منفذين أو دافعين للفاتورة. أوروبا في هذه الحالة ستكون الطرف الذي يتحمل التكاليف. ما شهدناه خلال الأيام الماضية هو إنذار خطير للاتحاد الأوروبي، وربما يكون الأخير. لكن السؤال هو: هل سنستجيب له؟
ما الذي يجب أن تفعله أوروبا الآن؟
الأوروبيون هم المسؤولون عن وضعهم الحالي. عليهم أن يسارعوا لفعل ما أهملوه لسنوات: بناء قدراتهم الدفاعية، تعزيز استقلالهم الاقتصادي، ودعم أوكرانيا بشكل حاسم، سواء في استمرار الحرب أو في أي مفاوضات محتملة.
يقال إن ترامب وبوتين سيجتمعان في السعودية. هل لهذا الاجتماع رمزية خاصة؟
بالتأكيد، إنه رمز آخر على تصاعد نفوذ الأنظمة الاستبدادية. لقد انتقلنا من نظام دولي قائم على القواعد إلى نظام قائم على القوة. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يظل فاعلًا، فعليه أن يتحول من كيان يضع القواعد إلى لاعب قادر على فرضها. وإلا، فسيضطر إلى الرضوخ للآخرين.
لكن ألا يمكن لنهج ترامب في عقد الصفقات أن يجلب السلام ولو على المدى القصير؟
يعتمد ذلك على أوكرانيا. إذا رأت كييف أن الصفقة مجحفة، فقد تواصل القتال وترفض الاستسلام.
لكن هل تستطيع أوكرانيا القتال دون دعم أمريكي؟
مع دعم أوروبي قوي، قد يكون ذلك ممكنًا بل ومرجحًا.
هناك تقارير تفيد بأن إدارة ترامب، قبل حتى بدء المفاوضات، أزالت بعض القضايا الكبرى من طاولة الحوار: لا عضوية في الناتو لأوكرانيا، لا قوات أمريكية لحفظ السلام، وضرورة تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها. هل هذه خطوة حكيمة؟
على العكس، إنها غباء استراتيجي. لا ينبغي أبدًا إسقاط مطالب رئيسية قبل بدء المفاوضات. لكنها تعكس عقلية إمبريالية، حيث لا تُؤخذ مصالح الحلفاء في الاعتبار. يبدو أن أوكرانيا ليست ذات أهمية كبيرة لإدارة ترامب.
الولايات المتحدة تطالب أوروبا بتحمل مسؤولياتها الأمنية، لكنها في الوقت نفسه تتبع سياسات تزعزع استقرار القارة. ما المنطق وراء ذلك؟
ربما لا يوجد منطق واضح، وإن وُجد فهو منطق رجل الصفقات، الذي يتصرف بشكل انتهازي بحت، باحثًا عن مكاسب قصيرة المدى دون رؤية استراتيجية طويلة الأجل. المشكلة أن هذا النهج قد يشجع آخرين، مثل بوتين، على تبني سياسات توسعية مماثلة.
ما هي المخاطر المستقبلية التي تراها؟
بوتين يريد إعادة بناء الإمبراطورية الروسية. استراتيجيته تمتد عبر البحر الأسود من الشيشان إلى جورجيا وأرمينيا، وتمتد إلى رومانيا ومولدوفا من خلال التدخل في الانتخابات. إذا لم يتم ردعه، فقد يختبر قوة الناتو قريبًا في دول البلطيق، حيث يشن بالفعل حربًا هجينة.
ترامب شجع بوتين على مهاجمة دول الناتو التي لا تنفق 2 بالمئة من ناتجها المحلي على الدفاع. كيف ترى ذلك؟
إنه أمر خطير للغاية. هذا يمنح بوتين ذريعة لمواصلة عدوانه. ترامب وبوتين يشتركان في هدف رئيسي: تدمير الاتحاد الأوروبي.
هل تعتقد أن لدى أوروبا القوة اللازمة لمواجهة هذا التحدي؟
المسألة ليست في الموارد، بل في الإرادة السياسية. الاتحاد الأوروبي لديه اقتصاد أقوى من روسيا، لكنه يحتاج إلى وحدة سياسية أكبر، خاصة في الأمن والدفاع. أوروبا يجب أن تتخلص من قاعدة الإجماع في سياساتها الخارجية، وتبني ردعًا نوويًا مشتركًا.
هل تقصد أن على أوروبا امتلاك أسلحة نووية؟
نعم، لكن ليس أسلحة ألمانية، بل ترسانة نووية أوروبية تحت قيادة مشتركة.
هيرفريد مونكلر، شكرًا على وقتك.
المصدر: صحيفة “هاندلس بلات” عدد 17 فبراير 2025. ترجمة هيئة التحرير.