كما في باقي دول الاتحاد الأوروبي يتعرض العديد من المسلمين والمسلمات في ألمانيا للتمييز والإقصاء، وغالبًا ما تمر هذه التجارب دون توثيق. ولاية شمال الراين – وستفاليا تتخذ خطوة جديدة لرصد هذه الظاهرة ومعالجتها.
في مجتمع يُفترض أن يكون قائماً على المساواة، يحق لكل شخص في ألمانيا الحصول على معاملة عادلة، سواء كان ذلك في البحث عن سكن، أو عند التقدم لوظيفة، أو حتى في زيارة صالون الحلاقة. تحظر القوانين الألمانية بوضوح أي شكل من أشكال التمييز على أساس الأصل العرقي، الدين، النوع الاجتماعي أو الميول الجنسية. ومع ذلك، لا تزال الأقليات تعاني من واقع مختلف تمامًا.
في السنوات الأخيرة، شهدت ألمانيا زيادة ملحوظة في العداء تجاه المسلمين، حيث أصبحت أشكال الكراهية ضدهم أكثر شيوعًا. ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي عام 2024، أفاد 68 بالمئة من المسلمين في ألمانيا أنهم تعرضوا لشكل من أشكال العنصرية والتمييز، مما يجعل ألمانيا واحدة من أكثر الدول الأوروبية تسجيلاً لهذه الظاهرة.
مركز توثيق رسمي في شمال الراين – وستفاليا
حتى الآن، كانت المنظمات المدنية هي المسؤولة بشكل أساسي عن توثيق هذه الحوادث. ولكن في 17 مارس، أطلقت ولاية شمال الراين – وستفاليا مركزًا متخصصًا لتسجيل الجرائم العنصرية ضد المسلمين، بهدف توفير صورة أوضح عن نطاق المشكلة. وقد تم استثمار أكثر من 375 ألف يورو لدعم هذه المبادرة.
وبالتوازي مع ذلك، تم إنشاء مراكز إبلاغ أخرى لرصد التمييز ضد فئات متعددة، منها: أفراد مجتمع الميم، مجتمعات الغجر (الرّوما والسنتي)، الأشخاص من أصول إفريقية وآسيوية.
لكن وفقًا للوزارة المسؤولة، فإن هذه المراكز ليست جهات تحقيق قانونية، أي أنها لا تملك صلاحيات فرض العقوبات أو تقييم الجرائم من الناحية القانونية.
النساء المسلمات الأكثر تأثرًا بالتمييز
الهدف الرئيسي لهذه المراكز هو جمع المعلومات حول حجم الظاهرة. ومع ذلك، لا يزال يتعين على الضحايا تقديم الشكاوى بأنفسهم إلى الشرطة أو المحامين.
منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، انتقدت التزايد المستمر في حالات التمييز ضد المسلمين في ألمانيا، مشيرة إلى أن هناك غيابًا لتعريف رسمي لمفهوم “العنصرية المعادية للمسلمين”، بالإضافة إلى نقص البيانات الرسمية وضعف الدعم المؤسسي للمتضررين.
كما كشفت دراسة “مراقبة الأديان” التي أعدتها مؤسسة بيرتلسمان عام 2023 أن الإسلام يُنظر إليه في ألمانيا على أنه تهديد أكثر من أي دين آخر.
ريما حنانو: هناك حاجة إلى دعم أكبر
تؤكد ريما حنانو، مديرة منظمة “كليم” التي تراقب الاعتداءات ضد المسلمين، أن إطلاق مركز الإبلاغ الجديد هو خطوة إيجابية، ولكنها غير كافية. وتشدد على ضرورة:تعزيز الوعي القانوني لدى الضحايا، توفير منصات دعم، وتمكين للمجتمعات المسلمة إقامة شبكات مساندة قانونية واستشارية.
كما أشارت إلى غياب نظام موحد لدى الشرطة الألمانية لتسجيل الاعتداءات ضد المسلمين، حيث لا تزال وزارة الداخلية تستخدم مصطلح “كراهية الإسلام” بدلًا من “العنصرية ضد المسلمين”، مما يجعل التمييز يبدو وكأنه خلاف ديني وليس قضية عنصرية هيكلية.
الخوف من الشرطة يمنع الضحايا من الإبلاغ
وفقًا لتقرير حديث صادر عن تحالف “كليم”، تم تسجيل 1926 حالة تمييز ومعاداة للمسلمين في ألمانيا خلال عام 2023، بمعدل خمس حوادث يوميًا، تشمل:اعتداءات جسدية، إهانات في الأماكن العامة، تمييز مؤسسي في العمل أو الخدمات العامة
لكن هذه الأرقام لا تعكس الواقع بالكامل، حيث لم يشمل التقرير خطاب الكراهية عبر الإنترنت أو المنشورات العنصرية التي تُوزع بشكل سري.
يشير التقرير أيضًا إلى أن العدد الفعلي للحوادث قد يكون أعلى بكثير، حيث يفضل العديد من الضحايا الصمت بسبب: عدم معرفتهم بوجود مراكز الإبلاغ، تطبيع المجتمع لهذه العنصرية وجعلها أمرًا معتادًا، الخوف من الشرطة والمؤسسات الحكومية نتيجة فقدان الثقة بها
أشكال التمييز ضد المسلمين في الحياة اليومية
لا تقتصر الاعتداءات على الهجمات الجسدية أو الإهانات العلنية، بل تشمل مظاهر التمييز المستترة في الحياة اليومية.
على سبيل المثال، تروي “أيلين بيرم”، وهي طالبة جامعية ترتدي الحجاب (تم تغيير اسمها لحماية هويتها)، تجربتها عند زيارة نادي رياضي لأول مرة. تقول أيلين: “عندما دخلت، لاحظت أن موظفة الاستقبال كانت تتصرف معي بطريقة غير مريحة.”
هل يمكن لهذه المراكز أن تُحدث فرقًا؟
مع تصاعد العداء تجاه المسلمين في ألمانيا، يُنظر إلى إنشاء مراكز الإبلاغ على أنها خطوة ضرورية لكشف حجم المشكلة.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستُحدث هذه المراكز تغييرًا حقيقيًا في التعامل مع قضايا التمييز؟ أم أنها مجرد إجراءات شكلية دون تأثير فعلي على حياة الضحايا؟
يظل الحل الحقيقي مرهونًا بمدى جدية الحكومة الألمانية في تطبيق قوانين مكافحة العنصرية، وضمان ألا يكون الإبلاغ عن التمييز مجرد إجراء بيروقراطي، بل خطوة نحو تحقيق العدالة والمساواة الفعلية.
بقلم صلاح الدين سالم، عن صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”. عدد 15 مارس 2025