بينما تؤيد الحكومة الهولندية تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، يضع البرلمان عقبة أمام مشاركتها في خطة التسلح الجديدة
عندما اجتمع المجلس الأوروبي قبل أسبوع لمناقشة خطة التسلح التي قدمتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كان رئيس الوزراء الهولندي، ديك سخوف، من أبرز داعميها. وأكد خلال قمة بروكسل:
“من الضروري أن تحصل المفوضية الأوروبية على المساحة اللازمة لتحويل اقتراح فون دير لاين إلى خطوات ملموسة.”
كما وافق سخوف على توصيات المجلس، بما في ذلك دعوة المفوضية إلى اقتراح “مصادر تمويل إضافية للدفاع على مستوى الاتحاد الأوروبي”.
البرلمان الهولندي يعارض خطة التسلح
لكن بعد أيام، وجد رئيس الوزراء نفسه في مأزق، حيث صوّت البرلمان ضد مشاركة هولندا في الخطة الأوروبية للتسلح. فقد أيدت ثلاث من الفصائل الأربع الداعمة لحكومته -بشكل غير رسمي- اقتراحًا يُلزم الحكومة بعدم الانضمام إلى المبادرة، مع إمكانية التفاوض على خيار الانسحاب. وأسفر التصويت عن نتيجة متقاربة: 74 صوتًا مقابل 72.
المعارضة تأتي من اليمين
كان من المفترض أن يجري التصويت قبل انعقاد القمة الأوروبية، لكن تم تأجيله بسبب غياب النائب الذي قدم الاقتراح، جوست إيردمانس، نتيجة ازدحام مروري!
إيردمانس، الذي دخل البرلمان لأول مرة عبر قائمة الشعبوي اليميني بيم فورتوين، انضم لاحقًا إلى حزب “منتدى الديمقراطية” الراديكالي بقيادة تييري بوديه، لكنه انفصل عنه عام 2020 بسبب خلافات داخلية، وأسس حزبه الخاص “JA21″، الذي يُعد يمينيًا معتدلًا.
قدم إيردمانس اقتراحه لاعتقاده أن خطة فون دير لاين قد تمهد الطريق لتمويل مشترك للديون الأوروبية، وهو ما يرفضه معارضو تكامل الاتحاد الأوروبي. فالبرنامج المقترح يشمل قروضًا بقيمة 150 مليار يورو، مع ضمانها من ميزانية الاتحاد، وليس عبر مساهمات وطنية إضافية.
انقسام سياسي حاد
في جلسة التصويت، أيّد النصف اليميني من البرلمان القرار، بما في ذلك ثلاثة أحزاب من الائتلاف الحكومي: حزب الحرية بزعامة الشعبوي خيرت فيلدرز، وحزب الفلاحين، وحزب العقد الاجتماعي الجديد بزعامة بيتر أومتزيغت.
كانت مواقف زعماء هذه الأحزاب الرافضة لمزيد من الديون الأوروبية واضحة منذ البداية، إذ صرّح أومتزيغت: “نحن بحاجة إلى استثمارات مستدامة في الدفاع، وليس إلى المزيد من القروض المشتركة.”
على الجانب الآخر، رفضت الأحزاب اليسارية القرار، إلى جانب الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين اليمينيين، الذين يمثلون الفصيل الحكومي الرابع. رئيسة الحزب الليبرالي، ديلان يسيليوز، أكدت معارضتها لسندات اليورو، لكنها دعت إلى منح الحكومة مرونة تفاوضية.
رئيس الوزراء في موقف محرج
مع هذا التصويت، يجد ديك سخوف نفسه في وضع سياسي غير مريح، حيث أثبتت هذه الحادثة هشاشة الحكومة الحالية، التي لا تمتلك أغلبية برلمانية مستقرة. وتعكس هذه الأزمة الطبيعة المعقدة للتوازن السياسي في هولندا، حيث تم تشكيل الحكومة بعد مفاوضات صعبة انتهت بتعيين شخصية مستقلة لقيادتها.
ما تأثير ذلك على الاتحاد الأوروبي؟
على الرغم من هذه الانتكاسة، فإن التأثير المباشر على خطة التسلح الأوروبية يظل محدودًا، لأن الموافقة على برنامج القروض العسكري يمكن أن تتم بأغلبية مؤهلة داخل مجلس الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن لاهاي يمكنها التصويت ضد القرار دون أن تعطل تنفيذه.
فضلًا عن ذلك، تستطيع هولندا الاقتراض بشروط أفضل من الأسواق المالية مقارنة بالسندات الأوروبية. كما أن المفوضية الأوروبية تخطط لمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر فيما يتعلق بالديون، عبر استثناء نفقات الدفاع الإضافية من حسابات العجز. ومع ذلك، فإن هولندا لا تحتاج إلى هذه الاستثناءات، لأن نسبة ديونها لا تتجاوز 42 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل بكثير من الحد الأقصى المسموح به داخل الاتحاد الأوروبي والبالغة 60 بالمئة.
هل تتحول الأزمة إلى مواجهة داخل الاتحاد الأوروبي؟
الخطر الأكبر يكمن في احتمال إصدار الاتحاد الأوروبي لسندات يورو مخصصة للدفاع، وهو قرار يتطلب إجماعًا كاملًا من الدول الأعضاء. في هذه الحالة، قد تصبح هولندا حجر عثرة أمام الخطة، تمامًا كما حدث خلال أزمة كورونا، عندما عارضت لاهاي بشكل قاطع أي ديون مشتركة.
لكن التجربة السابقة أظهرت أن المواقف الصارمة قد تتغير، لا سيما إذا قررت ألمانيا تعديل موقفها والضغط باتجاه التمويل المشترك. فهل تتكرر المعادلة السياسية نفسها؟ الأيام القادمة ستكشف ذلك.
بقلم: توماس غوتشكير، المراسل السياسي للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ودول البنلوكس لصحفية “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ”.